بدون عنوان (خاص بالمسابقة)

كُتب هذا المقال عندما اقتحمت الشّرطة قريتي البقيعة قبل عدة سنوات، حيث دارت معركة كبيرة جداً أصيب بعض المدافعين من السّكان واعتقل أخرون. وفي اليوم التّالي للمعركة خرجت برفقة بعض من زملائي الرّسامين في مظاهرة فنّية وتمركزت في ساحة وسط القرية. جاء أحد السائحين وطلب منّي ان ابتعد قليلا من مكاني، لأنّه أراد ان يلتقط لنفسه صورة إلى جانب حجر في الحائط . وعندما استفسرت عن السّبب قال لي: أصيب هذا الحجر بإطلاق نار من قبل الشّرطة وهو على مستوى طول إنسان أي ان الشّرطة تعمدت القتل وليس التخويف، وانا أقف إلى جانب الحجر لأثبت للأخرين ان الشّرطة هي التّي أخطات وليس سكان البقيعة.
عندها كتبت هذا المقال وجعلت من الحجر المصاب برصاص الشّرطة شاهد عيان على ما دار في البقيعة من احداث. وكان هذا المقال:
**************************************************
هل يُعقل أن تُشلّ حركة الكواكب لتقف بمسارها أو تتأّخر في محّطات ظهورها؟! هل يستطيع فجر أن يلغي يوم جديد أو إطالة يوم فات، لأنّ البقيعة تمكّنت من الرّقود مكان القمر وان تمحو ديجور الظّلام بنورها؟!
لم يكن في الحسبان ذات يوم أن يطول ليلنا، فخرجنا متظاهرين نبحث عن فجر غاب عن موعده. أم انّ عتمة القلوب وسواد النّوايا قد دثّرت وجه غلس تاق إلى النّور.
قرتي استفيقي ولا تخافي، قومي لتشاهدي ما تخجل عين الشّمس أن تراه. يغارون منّا ومن نسيم نستنشقه ، حيث لا انفاس إلاّ بهوائك ولا أحشاء تجوع إلاّ على هواكِ. تشتعل محبتك نار في أفئدتنا، وترابك تاج سرمدي على رؤوسنا ومنه نجوم السّماء تسرق بريقها. وينابيع مياهك دمنا الذي يجري في العروق، في نبض قلبك نحيى وفي لبّ أفئدتنا تعيشين، نقطنك وتسكنينا فكياننا واحد وتجزئته أمر محال.
قريتي لا تخافي فلصوتك صدىً يجوب أصقاع الأرض ويصمّ آذان أولائك الذّين يقبعون في قاع حقير ويحلمون بالتّأرجح على النّجوم. أجسادهم تجرّدت من حواسها وإن مات إحساسهم باتوا حجارة هامدة، ليولد الإحساس في حجارة قريتنا لينطق فيقول:( لأمّنا البقيعة حكايا وأقاصيص، وجميعها لرويت على مسامعي. صور العابرين في ذاكرتي مرسومة، وإن سرق النّعاس من اجفانهم فإلى جواري يسهرون، وإن اشتعل حنينهم وأطّل من وجوههم ففي حضنهم أخذوني لأسمع خفق قلوبهم.أنا مرآة ماضيهم وصورة حاضرهم وحلم مستقبلهم وشاهد عيان على ثورة غضبهم. فأنا حجر لا تقبل شهادتي ولكنّي راسخ في حائط ابدي اراقب موكباً اعشى وأتساءل إلى أين سيبلغ به المصير....
قال لي الحجر إنّ الحق والعدالة في منفى عن الإنسانية، سنسافر اميالاً لنصل وربما نضل الطريق. قلت له اين المنطق من هذا الواقع الجريح!! قال:( في عقول من جنّ من أجل شبر في بلده وفي خيال من يسبح في بحر وهمه) ( جنّ جنوني ايّها الحجر ماذا تقول!!) سأنزع عقلي جانباً والقي باوراق فكري وامزق صور إبداعي وأرتدي مئزر جنوني لأرحل، مسافرة إلى مدينة ليست موجودة في يوم لا يُعد من ايام التّقويم وفي ساعة لم تأتِ بعد. ربّما أصل محكمة الأوهام وأطرق باب الأمل هناك، باحثة عن عدل واهم في زمن واهم من قاضٍ واهم. لأبصره نائماً متخذاًمن مطرقته وسادة، وحاولت إيقاظه مراراً حتّى فتح عينيه وقلت له :( إستيقظ فلا يليق بقاض أن ينام، أنا باحثة عن العدل أخبرني أين هو) قال: ( سآتي به إليك من أبراج احلامي العالية) قلت:( أزعجتني ايها القاضي لماذا تغفو مجدداً؟ وهل الطريق طويلة إلى ابراج احلامك؟) فتح عينيه وقال:( بوسعك ان تنامي واصعدي بأحلامك حيث تشائين. فلا فرق بيننا كلانا يبحث عنه وغيرنا يبحث، وكي نجده علينا جميعاً ان نسير نياما في ليلنا ونهارنا، نطفئ الشّمس ونغفو لأنّ العدل في أبراج الاحلام يسكن.) قلت له:( ولماذا تحمل المطرقة إذن؟) قال :( كي أضرب الواقع واصفع الزّمن ومن أجل إيقاظ الواهمين.) قلت:( ليتني لم آتِ إليك ايّها القاضي) قال:( عودي من حيث أتيت أو زيدي جنوناً واتّخذي لك جناحين لتحلّقي في لأبراج الأحلام.) وبعدها عاد القاضي إلى سباته، ادبرت فخرجت لأعود إليك أيّها الحجر. أنا التّي تسمع شهادتك وإن غفلت عين الحقيقة ففي جبهتك تبصر، وإن نام القاضي فانت في يقظة دائمة.أخبرني ماذا ترى؟ قال:( أرى الرّاقدين في المشافي يصابون إن أصيبت البقيعة ويجرحون إن جرحت، ورغم ذلك يخفقون محبّة ويرفعون هاماتهم سوراً حصيناً لها. وأقرأ رسائل التّمنّي في عيون سكانها تيمناً بصحّة وسلامة. أرى الدّماء تقطر من كلّ قلب يعشق البقيعة، أرى كيف تضيع كنوز الدّنيا ومعادنها في ذرّة واحدة من ترابها. واغرورقت عيناي عندما ازدادوا قوّة بعد اعتقال بعضهم ليلهم طال ليله وفجرهم تأخّر ظهوره ، ولم يسكن لهم ساكن حتّى زُفّوا عائدين، وبعرس عودتهم وفي ساعات الظّهيرة من ذاااااك اليوم، أشرقت الشّمس.


مع فائق احترامي
آسيا فضّول

الاخت المتألقه اسيا.
اولا أحيي أهل البقيعه رجالا مع نساء .شيبا مع شبابا.
على ضوء الاحداث جائت سطورك تحمل في طياتها شعور مبدعه ثارت على واقع ظالم.
وبحنكة المبدعين وأسلوب الفنانين أخذتينا معك في هذا الحوار .
حتى الحجر نطق وسرد وأشتكى.
هذا حال اصحاب الاقلام البديعه اما ان تشعل الاحاسيس فينا أو تطفئهاأو تزكي نار الغضب أوتلطف الاحداث وكأن لا شيء كان.
وفي مقالتك تتجلى قدرتك العاليه على اصابة الهدف
الى كل من يقرء ويفهم.
اسلوب عميق في الكتابه ينم عن ابداع ومعرفه ولا يخلو من فن التعبير الواضح.
مع اعجابي وتقديري ودام نزيف قلمك الجميل
مع تحياتي والشكر..

ملاحظه لو ان المقال عنونتيه بأسم البقيعه فنحن نعتز باهلنا اينما تواجدوا

شكراً لك أخي إحسان زهوة على مرورك، وتحيّة من البقيعة وجميع سكانها أبعثها إليك ولجميع أهلنا في الجولان.
رأيت برسالتك تحليل فنّي وأدبي رائع جداً، فلست بكاتب جيّد فقط إنما قارئ متميّز ومحلل مبدع.
امّا بالنّسبة للعنوان أشكرك على هذه الملاحظة، إلا أنّي احترت باختيار الإسم. إختيارك صائب بأن أسمي المقال (البقيعة) ومن أجل الدّقة أكثر كان يجب أن يكون (جرح البقيعة).
مع فائق احترامي
آسيا فضّول

شكراً لك أخي منير على ذوقك الرّفيع وإعجابك بأسلوب السّرد. وأشكرك على اقتطاف بعض المقاطع من النّص، ويبدو أنّك اخترتَ أجمل العبارات ، فقد نطق الحجر أخي منير.
تردّ لك البقيعة التّحيّة بأجمل منها وكذلك الجولان لا يبخل بتحياته لك، فالتّواصل الرّوحاني يذيب المسافات ويصهر الحواجز ويتغلّب على جميع العوائق.
لا شكّ أن الجولان يستحق هذه التّحيات التّي قدّمتها وهذا المديح الذّي ذكرت، بل ويستحق أضعاف أضعاف ما قلت.
لديّ ملاحظة بسيطة أتمنّى أن تتقبّلها منّي وهي أنّ البقيعة هي إحدى قرى الجليل. وشكراً لك
مع فائق احترامي
آسيا فضّول

ينطق الحجر يقف متراسا امام القدر

وان ساوو بيني وبين الحجر يبقى يسرد

حكايا الشموخ ويرسم بيد الطهر ابدع الصور

ويروى تاريخ سيكتب يوما نشيد النصر

اختي الاستاذه اسيا

لريشه قلملك اقف بعزه واعجز هنا عن التعليق

ارام رعاك الله

:YRE:

شكراً لك أخي أرام أشكرك على تعليقك.
إن نطق الحجر قصة وروى تاريخ وكتب بنهاية القصّة نشيد النّصر، فهذا تفاؤل كلّنا نرجوه.
أشكرك مرّة أخرى
مع فائق احترامي
آسيا فضّول

من الجليل ألف تحيّة محمّلة بعبير الأمل والمحبّة والسّعادة والأمان أرسلها مع طيور السّلام لترفرف في سماء السّويداء وضواحيها أبد الدّهر .
شكراً لك أخي منير على رسالتك ونتمنى أن يحقق التّواصل كل ما نرجوه.
مع فائق احترامي
آسيا فضّول