المسيح في القرآن
نبي في الدنيا وشفيع في الآخرة
أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
يُطلِق القرآن الكريم على "يسوع المسيح" الاسم "عيسى" وهذه اللفظة قريبة من الكلمة اليونانية "ايسوس" في حين أن الاسم "يسوع" عبريّ الأصل وهو "يشووَع" (ישועַ) أي المخلّص المسيح، وعُرّب بالمقابل التأثيلي "يسوع". يذكر أن الاسم "عيسى" قد ورد ٢٥ مرّةً في عشر سور في القرآن وهي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة ومريم والأحزاب والشورى والزخرف والحديد والصف. عادة يرد الاسم "عيسى" متلوّاً بـ "ابن مريم" مثل "وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس" (البقرة آية ٧٨)؛ "... إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته" (النساء آية ، ١٥٨١٧١) وينظر في مريم ١٩-٢١، ٢٤-٣٣؛ آل عمران ٤٥-٤٦، ٤٨-٤٩، ٥٥؛ المائدة ١١٠، ١١٧؛ النحل ١٧؛ الزخرف ٦١.
أما الاسم "المسيح" المعرّب من اللفظة العبرية أيضاً "هَمَشييَحْ" فيعني الممسوح بالزيت حيث أن الصيغة الصرفية "فَعيل" في اللغات السامية مثل العبرية والعربية والأكادية والآرامية والأوغاريتية ترد بمعنى "مفعول" نحو "قتيل وجريح ودفين وكسير وأسير وطريح". ومن معاني "مشييَح" الواردة كصفة هو لقب لملك أو كاهن قد مُسحا بزيت مقدّس. تكررت لفظة “المسيح” ١١ مرة في القرآن. لدى اليهود لفظة "المسيح" في عبارة "مسيح بن داؤود" تعني مخلصهم المنتظر الذي سيأتي في عاقبة الزمان إثر بشيره إلياهو النبي أو المسيح بن يوسف. وقد ذكرت لفظة "المسيح" عشر مرّات في القرآن في السور، آل عمران والنساء والمائدة والتوبة. كما يصف القرآن المسيح! بأنه لا مثيل له بين البشر.
رأي المفسرين
يتطرّق مفسّرو القرآن إلى توضيح الاسم "المسيح" وتأويله فقيل مثلاً إنه سمّي مسيحاً لأنه مُسح من الأوزار والآثام. وقد أورد الإمام الفخر الرازي (١١٥٠-١٢١٠) حديثا يقول "سمعت رسول الله يقول: ما من مولود من آدم إلا ونخسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من نخسه إياه، إلا مريم وابنها"وجاء في الحديث أيضا “كل ابن آدم يطعنه الشيطان في جنبه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب ليطعنه فطعن الحجاب”؛ “لا تقوم الساعة حتى ينزل ابن مريم حكما مقسطا” بمعنى الديّان العادل للجميع. يُشار إلى أن بعض التفاسير مثل صفوة التفاسير لمحمد علي الصابوني قد ابتعدت عن جادة الصواب في شرح "المسيح" بقولها "وأصله “مشيحاً” بالعبرانية ومعناه المبارك" (القاهرة، ط. ١، ١٩٩٧، ج. ١. ص. ١٨٣، معتمدا علي الكشاف ١/٢٧٨). ومن التفاسير التي لا تستند إلى مصدر معقول ما قيل عن تسمية عيسى عليه السلام بالمسيح "لكونه ماسحاً في الأرض أي ذاهبا فيها وذلك أنه في زمانه قومٌ يُسمّون المشّائين والسيّاحين لسيرهم في الأرض" (المفردات في غريب القرآن تأليف أبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، تحقيق وضبط محمد سيد كيلاني، بيروت، د.ت. ص. ٤٦٨). ويشار مثلاً إلى أن جبران خليل جبران (١٨٨٣-١٩٣١) في كتاباته يُكثر من استعمال اللفظتين "يسوع الناصري" بالمقارنة إلى "المسيح" مثلاً.
يحتلّ المسيح مكانة مرموقة في القرآن والتفاسير، ففي أكثرَ من نصّ سمّي المسيح "كلمة الله وروحه" كما جاء في سورة آل عمران "إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين" (الآية ٥٤). وفي الآية ١٧١ من سورة النساء ورد "... إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ..."
الجدير بالذكر أن العبارة "كلمة الله"، آنفة الذكر، قد حظيت باهتمام واضح فهي كما هو معروف مطابقة لما جاء في مستهل إنجيل يوحنا الرسول "في البدء كان الكلمةُ والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله". وأصل "الكلمة" هذه هو "اللوجوس" في اليونانية ولها عدة معان فلسفية ولاهوتية بجانب معناها المعجمي.
الولادة المعجزية
كما أن القرآن يذكر الولادة المعجزية للمسيح من مريم العذراء في سورة آل عمران "وإذ قالت الملائكةُ يا مريمَ إنّ اللهَ اصطفاكِ وطهّركِ واصطفاك على نساء العالمين" الآية ٢٤، "ويكلّم الناس في المهد" كما ورد في السورة ذاتها، الآية ٤٦. ويذكر القرآن العجائبَ التي قام بها المسيح إذ يقول في الآية ٤٩ من سورة آل عمران "...أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرىء الأكمهَ والأبرصَ وأحيي الموْتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إن في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين". مثل هذه الأعمال والصفات لم يقم ولم يتحل بها آدمي حتى يوم الناس هذا بل هي من عمل الباري جلّ وعلا. أضف إلى ذلك أنه في نفس السورة وفي الآية ٥٥ يذكر القرآن وفاة المسيح وصعوده إلى السماء إذ يقول "إذ قال الله يا عيسى إني متوفّيك ورافعك إليّ ومطهّرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتّبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ..."
لا بدّ من التنويه بصفة خاصة ليسوع المسيح، نعته بها القرآن في سورة آل عمران في الآية ٤٥ "إذ قالتِ الملائكةُ يا مريمَ إنّ اللهَ يبشّركِ بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين". عالج المفسرون معاني الوجاهة في الدنيا والآخرة بإسهاب وقالوا إن الوجاهة في الدنيا تشير إلى النبوّة وفي الآخرة معناها الشفاعة.
في البداية كان موقف نبي العرب إزاءَ االنصارى إيجابيا كما يتجلّى ذلك في عدة آيات مثل ٢: ٦٢، ٧٠؛ ٥: ١٦-١٨، ٦٩، ٨٥؛ ١٢: ١٧ ثم تغيّر كما نرى في ٣: ١٣٥-١٤٠؛ ٤: ١٧؛ ٥: ١٤؛ ٩: ٢٩-٣٠. والحياة ليست ذات لون واحد أو اثنين أبيض وأسود، خير وشر بل طيف واسع من الألوان وظلالها وطوبى لمن يتبع الخير وينشره.