قصّة يتيم

قبل أن تغرّد الأطيار، استيقظ باكراً ليسابق الفجر في بزوغه، وأخذ يعدو ويعدو ويعدو... سريع الخطى هارب من يوم جميل وكأنّه يوم عيد. لا يريد الذّهاب إلى المدرسة، يخشى أن يواجه معلّمته وأبناء صفّه، وكأنّ السّعادة تسكن جميع القلوب وعندما أتت لزيارته في وجهها أوصدت الأبواب.
نعم، هارب من وحدتي من جدران غرفتي ومن وسادتي التّي نسجت من خيوط أحلامي، ودوماً تصغي لأوجاعي، وطالما ارتوت من سخاء دموعي. أعدو وأعدو وأعدو بعد أن أقفلت نوافذ النّسيان في ذاكرتي، كي لا تهرب صور أمّي التّي أحتفظ بها، فهذا ما تبقّى لديّ، صور أخشى أن تتبعثر.
هارب إليك يا أمّي، أنا في طريقي إليك، سافرت وتركتني وحيداً لأتلقّى صفعات الزّمن وتلاطمني الأيّام من كلّ جانب. فعندما ألعب مع رفاقي كلّ يعود إلى حضن أمّه وأنا أعود إلى جدران غرفتي الخرساء. أغار من رفيقي وإن زجرته أمّه إذا عاد بملابس متّسخة، فأنا لا أحد يهتم بملابسي فكلا الحالتين سواء. أغار من رفيقي عندما تعدّ له أمّه ما تطيب له نفسه من طعام، وأنا طيب الطّعام لا تعرفه نفسي. وإن مرضت أيّ دواء ينفعني وبيني وبين أمّي مسافات أبعد من الخيال.
فجميع رفاقي وأبناء صفّي يحظون بنعمة لا يدركون قيمتها، قد تبدو هذه الأمور بسيطة ولكنّي منهم أغار!! أغار وأهرب من غيرتي ولا زلت أعدو وأعدو وأعدو.... حتّى أن وصلت ضريح أمّي لأخبرها بأنّي هارب من أحلام ليتها كانت حقيقة، بأني هارب من عيد يعاد على الجميع سواي!! إنهضي يا امّي ورافقيني إلى المدرسة، يحتفلون اليوم بعيد الامّ فأخشى أن تسألني معلّمتي أين أمك!! لا أريد أن أرى أبناء صفّي يحملون الهدايا ويجلسون بجوار أمّهاتهم، وأنا لا هديّة بين يديّ وما من أحد أقدّمها له!!
جئت إلى هنا لأقدّم لك نيران شوقي المشتعلة هديّة، وبحر محبّتي وحنيني هديّة، وعينيّ اللتّين لا تكفّان عن ذرف الدّموع هديّة.
قال هذا ولا زال يبكي ، إتّخذ من ضريح أمّه متّكأً ونام، نام بعد ان أعياه التّعب حتّى أن سمع صوت أمّه يقول: ضاق عليّ اللّحد يا ولدي، البرد قارس هنا ويأكل أجزاءً من عظامي، وددت لو اتّخذت من دفء الشّمس معطفاً ومن نورها مصباحاً ليضيء الأمل أمام عينيك. فالسّواد الحالك هنا يغمرني من كلّ جانب.
كفّ عن البكاء يا ولدي فأنا لا أقوى على النّهوض لأحضنك، فإنّ الجراح على الجراح تنزف وأبداً لن تندمل. أسأل الطّير في السّماء أن يعطيني جناحين لأحلّق بهما وأرافقك أينما ذهبت. أسأل الأزهار أن تحوك لك من ألوان الرّبيع حلّة لترسم البسمة على شفاهك. أسال الأشجار أن تظلل حياتك بالأمان والسّعادة.
كفّ عن البكاء يا ولدي ولا تكترث لأيّ هديّة، فالأطفال هم الهديّة الأجمل والأغلى، ومتى كانوا أصّحاء سعداء كان ذاك يوم عيد. والأمّ تحمل رسالة وإن أتقنتها تمكّنها من خوض عباب بحر الحياة في زورق لا يخشى الأهوال، ليسرو في شواطئ القوّة والنّجاح والسّعادة، والمستقبل البنّاء. وإن رحلت باكراً وألقيت برسالتي جانباً، فكن أنت هديتي الأجمل وإيّاك ثمّ إياك أن تهملها، ومن أجل هذا كفّ عن البكاء يا ولدي وعد إلى رفاقك وافرح لفرحهم واتّخذ من معلّمتك أمّاً إن شئت وأخبرها عمّا دار بيننا من حديث وقل لها هذا ما قالته لي أمّي!

الاخت اسيا اهلا بك ومرحبا


رسمت من خلال ما نثرت صوره لها تعابير

تكاد ان تدمع === اشكر لك اختيارك

حفضك الله //////////////////////////// ارام



:gfd:

المعلمه الفاضله الاخت الكريمه آسيافضول.
أنه لينزف القلب من قصة اليتيم وتختلط المشاعر بين حزن وألم.
هي الحياة احيانا قاسيه وقاسيه جدا والقدر له دور كبير في مجريات الامور.
قصه مؤثره جدا .
وكما يقولون اليتيم يتيم العقل والحياة مستمره وهنالك اشياء فقط الله عز وجل يتحكم بمجرياتها .
مع الشكر والتقدير.
دام عطائك
:gfd: :YRE:

شكراً لك أخي آرام....
أصدق الصّور وأعظمها تعبيراً تلك التّي ترسم بإحساس طفل.
أشكرك مرّة أخرى على تعليقك
مع فائق احترامي
آسيا فضّول

أشكرك أخي إحسان على تعليقك
فحينما تخرج المشاعرمن القلب ، لا بدّ أن تخترق صميم القلب لتظهر لنا كلّ عبارات الحزن والألم. وأظنّ أنّ هذا واقع كلّ طفل يتيم، فهو الأبلغ إن تكلّم والأصدق إحساساً حينما نصغي لمشاعره.
مع فائق احترامي
آسيا فضّول

الاخت اسيا فضول حيياكي الله

دمتي بعز وخير وسلمت يداك على جمال ما كتبتي

عن الطفل اليتيم وهذه القصص من واقع حياتنا ...

ولكنه قدرنا المحتوم فسبحان الله يعطي من يشاء ويحرم من يشاء

ونحن نقول انشاء الله يكون خلاص ومش قصاص


وعلينا الرضى والتسليم لما اصابنا وان نرضى بما قسم الله لنا

لانه لا ينالنا غيره ....

مشكوره اختي الكريمه اسيا دمتي بعز دائما مبدعه ومتألقه .

:gfd: :YRE:

أشكرك أخي فؤاد على مرورك وعلى كلماتك القيّمة، والتّى لا تخلو من المواعظ والحكم. وأودّ أن أضيف لمل ذكرت مقولة جميلة وهي: (ما أصابك ما كان ليخطئك وما أخطأك ما كان لأن يصيبك).
مع فائق احترامي
آسيا فضّول