معرض الكتاب في باريس
الدرّاج الهندي
زيارة البابا للأراضى المقدسة
أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
أتطرق هنا باختصار إلى أربعة مواضيع تعود أحداثُها إلى بداية الألفية الثانية.
معرض الكتاب في باريس
أقيم في المدة من ١٧ إلى ٢٢ من آذار-مارس عام ٢٠٠٠ المعرض العشرون للكتاب في مدينة الأنوار. يعتبر هذا المعرض أعظم الأحداث الثقافية في القارة الأوروبية. وخُصص جناح كبير من هذا المعرض هذه السنة للأدب البرتغالي. افتتح المعرض الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك وزار المعرضَ أكثرُ من مائتي ألف شخص منهم حوالي ألف وخمسمائة كاتب. مثّل الأدب البرتغالي الأديبان المعروفان خوسيه سامارانغو الحائز على جائزة نوبل سنة ١٩٩٨ وانطونيو لوبو انتونيس وعشرات من الكتاب البرتغاليين. بلغت مساحةُ المعرض في ذلك العام خمسين دونما مربعا. والجدير بالذكر أن عرض "ايبوك" أي "الكتاب الالكتروني" في هذه التظاهرة الثقافية الكبيرة هو بمثابة سابقة ثقافية على الصعيد الأوروبي. لا شك بأنه في المستقبل وإثر التطورات المستمرة في الانترنت ستُتاح للناس قراءةُ الكتب عَبْرَ الانترنت وبأسعار زهيدة. ظاهرة الانترنت ما زالت نادرة في العالم العربي من جهة والعرب بصورة عامّة لا يميلون كثيرا إلى القراءة والمطالعة. أضف إلى ذلك بأن ما يقارب ثلث العرب أي حوالي المائة مليون نسمة ما زال أميّاً.
الدَّرّاج الهندي
قام المواطن الهندي رام شاندرا بيسواس برحلة غريبة عجيبة استغرقت ثمانيةَ عشرَ عاما زار خلالَها ١٤٨ بلدا وقطع مسافة ٤٦٠ كيلو مترا تقريباً. استهل بيسواس رحلته بالدراجة الهوائية من كالكوتا مسقط رأسه في الهند في الواحد والعشرين من نيسان-ابريل عام ١٩٨٢متوجها إلى كينيا وتجول في القارة الافريقية ثم إلي الامريكيّتين ومنطقة الكاريبي واسكندناڤيا واوروبا واستراليا وجنوب المحيط الهادىء. إنطلق هذا الرحّالة الهندي وفي جعبته دينار يتيم ليبثَّ إلى العالم بأسره دعوةً ضد الظلم والاستبداد والعنصرية والعنف والحرب النووية. زار بيسواس البالغ من العمر ٤٧ سنة بقاعا هامة على الكرة الأرضية مثل أهرام مصر والقطبين الشمالي والجنوبي وتمثال الحرية في واشنطن والڤاتيكان في روما ومعابد انكور في كمبوديا والاكروبوليس في أثينا. تمخّضت هذا الرحلة الطويلة عن خمسة جوازات سفر مليئة بأختام التأشيرات من شتّى البلدان وملفات ضخمة تضم أكثر من ستين ألف صورة فوتغرافية التقطها والتقطت له مع شخصيات مرموقة مثل قداسة البابا يوحنا بولس الثاني والام تيريزا والدالاي لاما. قد جمع هذا الرحالة الهنديُّ ما يزيد عن ٨٠٠ مقال صحفي تتطرّق بصورة أو بأخرى لبعض نواحي هذه السلسلة من الرحلات. كما وتكدّست لديه حوالي خمسة وثلاثين كيلوغراما من الميداليات وتسعمائة عَلَم وألفين شهادة بشأن زيارته وتجواله في بقاع متنوعة من المعمورة. في أواخر العام ٢٠٠٠ جاب بيسواس الشوارع الڤيتنامية ثم توجّه بدراجته الهوائية القديمة إلى لاوس ومنها إلى الصين فمنغوليا فكوريا.
في نيّة بيسواس زيارة اثنين وخمسين بلدا آخر في غضون الأعوام الأربعة القادمة. بعد ذلك يُخطّط هذا الرجل غير العادي الرجوعَ إلى وطنه وهل هناك أحلى وأعزّ من مثل هذه العودة للزواج وانجاب الأطفال وتدوين سيرة حياته لا سيما رحلاته وتجاربه لإفادة الأجيال القادمة.
زيارة البابا للأراضى المقدسة
اسم البابا الحقيقي كارول ڤويْتِلا (Karol Voitilla) من مدينة ڤادوڤيتشي (Wadowice) في بولندا وهو ابن ٧٩ عاما وقد ولد في ١٨ أيار عام ١٩٢٠ ورسم حبرا أعظم في ١٦تشرين الأول عام ١٩٧٨.
استغرقت زيارة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني للديار المقدسة ستّة أيام في ربيع عام ٢٠٠٠. اصطحب البابا خمسين ألف شاب من مختلف الجنسيات. استقبل الجميع باستثناء المتدينين اليهود، أربعة وزراء شاس وكبير حاخامات إسرائيل، البابا كرسول السلام والنيّة الطيّبة وتعرّف الكثير من الإسرائيليين على الصيغة الصحيحة لاسم المسيح بالعبرية أي "يَشوع" بدلا من الاسم المحتقِر "يِشو" وهي عادة ما تكون اختصاراً للعنة "فليمحَ اسمُه وذكرُه". هناك قطاع متدين من المجتمع الإسرائيلي الذي يتأفف من لفظ أية صيغة ليسوع بل يشير إليه بالعبارة "ذلك الرجل". قبل الزيارة المذكورة لم تظهر علامة الصليب بهذا الشكل العلني والمكثف في اسرائيل. من اللافت للنظر حقا بأن تلاميذ بعض المدارس الابتدائية اليهودية في إسرائيل ما زالوا يحذفون النصف الأسفل من علامة الجمع في الحساب + التي تذكرهم بالصليب. الجامعات الاسرائيلية لم تدرس الديانة المسيحية حتى زيارة البابا إذ افتتح في الجامعة العبرية بالقدس "مركز لدراسة المسيحية". تجلت في البابا سمات التواضع والحكمة والعمق والخشوع إزاءَ صلف الرابي عوڤادْيا يوسف الرئيس الروحي لحزب شاس اليميني المتطرف والراب الرئيسي لطائفة اليهود الشرقيين (السِفارْديم) في إسرائيل. ذلك الراب كما يذكر الكثيرون وصف العرب الفلسطينيين بالأفاعي ونادى بالقضاء عليهم. نسِى الراب أو تناسى بأن الفلسطيني الأول في التاريخ المسيحي هو يسوع المسيح وكان اللاجىء الأول الذي غادر الديار المقدسة للجوء في مصر هربا من وجه الملك الظالم هيرودس قاتل الأطفال.
لقد نادى البابا بالاحترام المتبادل بين الأديان وبث روح الإخاء والمحبة بين بني البشر. كما وقال من حق الفلسطينيين أن يكون لهم وطن وقال لهم إن العالم يرى معاناتكم عند زيارة مخيم الدهيشة بالقرب من بيت لحم مسقط رأس يسوع المسيح. وأشار كذلك إلى أنه لا بدّ من ضمانات ثابتة لحقوق جميع شعوب المنطقة وفق الشرعية الدولية وقرارات هيئة الأمم المتحدة الداعية إلى سلام عادل ونهائي وغير مفروض بل المستند مثلاً إلى قرار ٢٤٢ الصادر عام ١٩٦٧ والذي ينصّ على إدانة الاستيلاء على الأراضي بالقوة. إذن رسائل البابا كانت أربع: سلام وعدل واستقرار وحرية، اتحاد الكنائس، دعم الفقير والمسكين،مساندة الشباب. وللبابا، مطران روما وخليفة التلميذ بطرس، أكبر قوة أخلاقية في العالم وهناك حوالي مليار كاثوليكي. ولا بد من الاشارة إلى أنه بدون عدل لا سلام ولا أمان والاحتلال معناه خرق حقوق الانسان وإذلاله.