الفكاهة في الأدب العربي
نمطان رئيسيان للفكاهة والمزاح والدعابة والسخرية
أ.د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
الفكاهة حاضرة في كل لغة وحضارة إذ أن الإنسان ليس ؟ا ناطقا فقط بل ضاحكا أيضا. لا ترمي الفكاهة إلى إضحاك المستمع فقط بل تكون لها في حالات كثيرة رسالة نقدية إصلاحية تصريحا أو تلميحا. لم يصلنا شيء يذكر في هذا المضمار من عصر الجاهلية. يبدو لنا أن هذا الموضوع لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه في الدراسات الأدبية العربية انطلاقا من الاعتقاد السائد بأنه لا يمتّ إلى الأدب الرفيع بصلة. هناك نمطان رئيسيان للفكاهة والمزاح والهزل والدعابة والتهكم والسخرية والطرف والملح والنوادر والنكات، رسمي وشعبي. على الصعيد الرسمي تظهر الفكاهة كوسيلة ترفيه وهناك المئات من النصوص في بطون الكتب التي تُعنى بوصف مجالس اللهو والمجون في عصور مختلفة من التاريخ العربي. من المهرّجين المشهورين يمكن الإشارة إلى أشعب بن جبير (ت. ٧٧١) ومحمد بن القاسم أبي العيناء (ت. ٨٦٩) وأبي نواس (الحسن بن هانئء ت. ٨١٤) وأبي الحسن الخليع وأبي العبر وهبنقة الأحمق وباقل العيي وبنان الموسوس وأبي العبر المتحذلق ومزبد المديني وأبي دلامة وأبي الفتح الاسكندري وجحا وقراقوش. من الواضح أن الحياة، لا سيما في عصرنا هذا، بغير ضحك حِمل ثقيل وبغير فكاهة تكون جدّ مملة ولا طعم لها، ومن المعروف أن العرب يحبّون عادة الضحك فيقولون "إضحك تضحك لك الدنيا" ويسمون أولادهم بأسماء تنم عن هذا المعنى: باسم، بسمة، بسّام، ضحّاك، وضّاح، فرح، فرحان، فرحة، فرحات، بشر، بشير، جذلان.
كتب الفكاهة والطرافة
من الكتب التي تتطرق إلى هذا اللون من الملح والنوادر، البيان والتبيين والبخلاء وال؟ وكتاب التاج في أخلاق الملوك وكلها للجاحظ والأغاني للأصفهاني والعقد الفريد لابن عبد ربه والمستطرف في كل فن مستظرف للإبشيهي ومروج الذهب للمسعودي. ومما يجدر ذكره أن النكتة في الأدب العربي القديم كانت تخدم الملك أو الأمير.
لعب الأعرابي دور البطل الشعبي للطرفة الشعبية وتحلّى بسمات كالشجاعة والكرم والبداوة. وقد استغلت النكتة في التشهير السياسي والصراعات الإقطاعية وهناك ما يسمى خطأ بنكات "المحرّمات" وهي جنسية ودينية وسياسية فهي ما تتطرق إليه النكات المعاصرة. من أنواع الطرفة الحديثة: نكات الأطفال والترميز بال؟ والترميز بالشخصية المميزة والتعميم بالحكمة الضاحكة والحداثة في المواجهة الصريحة.
أبو نواس:
سأل هارون الرشيد أبا نواس أن يتمثّل له عمليا بالمثل "عُذر أقبح من ذنْب" فقال أبو نواس اتركها للصدفة. واتفق في إحدى حفلات الخليفة في القصر أن مسّ أبو نواس هارون الرشيد بمؤخرته وقال آسف يا مولاي ظننتك الست زُبيدة.
من النكات السياسية:
وزير خارجية إسرائيل الأسبق موشي شاريت وحاكم عربي، الأول للآخر: شاريت، العربي بعت.
مر الحاكم العربي بزوجته وهي تغسل ملابسَها الداخلية فسألها عما تفعل فأجابت: إني أزيلُ آثارَ العُدوان.
من هو جحا؟
أهو خوجة نصر الدين التركي الذي عاصر ونادم تيمورلنك في القرن الرابع عشر أم هو أبو الغصن الفزاري العربي أم هو عشرات الشخصيات أو شخصية شعبية رمزية مصطنعة. يبدو منطقيا أن هناك أكثر من جحا فهناك جحا التركي والأرمني (ارتين) والمالطي (جهان).
من نكات جحا:
نظر تيمورلنك في المرآة فأخذ يبكي فسأله ندماؤه عن سبب ذلك فأجاب لبشاعة وجهي وواساه الحاضرون ومدحوه وكفّ عن البكاء إلا أن جحا تابع البكاء والنحيب والعويل فسأله تيمور: ما دهاك تبكي وأنا قد توقفت عن العويل فقال جحا يا سيدي أنت بكيت لأنك شاهدت وجهك مرة واحدة في المرآة فكيف أنا الذي أراه كل يوم.
دعي جحا مرة على وليمة فذهب بملابسَ بسيطة فلم يُسمح له بالدخول فعاد وارتدى ملابس فاخرة فاستُقبل وتصدّر المجلسَ وعندما بدأ بتناول الطعام غمس أكمام ثوبه بالطعام فانتقده الحاضرون فأجابهم: لولا كُمي ما أكل فمي!
سئل جحا هل يولد لابن الستين قال يجوز، ولابن الثمانين، يجوز، وبعد المائة قال إذا كان له جار في العشرين.
لا بدّ من الاعتماد على النفس!
(ينظر في: أحمد محمد الحوفي، الفكاهة في الأدب؛ علي مروّة، موسوعة الأدب الضاحك، سلسلة من ثمانية أجزاء، لندن ٧٨٩١).